يسرنا بين الحين والآخر تسليط الأضواء على أجمل مسارات الرحلات البرية في شتى أنحاء العالم، سواء بالسيارة أو بالقطار أو الدراجة النارية أو الباص، فكما ننوه دائماً، تعد الرحلات البرية أفضل الطرق للاستمتاع بما توفره الوجهات السياحية من مناظر طبيعية ومعالم تاريخية وثقافية، ناهيك عن أنها تسمح للسائح بالتوقف في أي بقعة لبضعة دقائق أو بضعة أيام، ومتابعة الرحلة كما يناسبه.

كما يمكن في بعض الدول والبلدان الانطلاق في رحلات برية، لفترات تتراوح بين بضعة ساعات وبضعة أسابيع، دون أي تخطيط مسبق، وتتصدر القائمة في هذا المجال دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزلندا، فمعظم الوجهات والمناطق في هذا الدول ينعم بخدمات عامة جيدة جداً، ولا سيما للمسافرين، فضلاً عن أنها تتسم عموماً بالأمان.
مسار الرحلة الكامل
وتعد أستراليا دون شك من أفضل الوجهات للرحلات البرية، والتي يمكن المضي فيها لأشهر طويلة دون توقف. ومن أبرز المسارات ذلك الخط الساحلي الممتد على طول المنطقة الشرقية بدءاً من ملبورن (Melbourne) جنوباً في ولاية فكتوريا (Victoria)، مروراً بالعاصمة كانبرا (Canberra) وسيدني (Sydney) بولاية نيو ساوث ويلز (New South Wales)، ومدن بريزبان (Brisbane) وتاونزفيل (Townsville) وكيرنز (Cairns) والساحل الذهبي في ولاية كوينزلاند (Queennsland)، ومن ثم الحيد المرجاني الكبير (Great Barrier Reef) شمالاً، وصولاً إلى أقاصي شمال القارة الأسترالية عند نصب الأدميرال جيمس كوك (James Cook) التذكاري في جزيرة بوسيشن (Possession Island)، في النقطة التي رست فيها أولى سفن حملته الاستكشافية في 22 آب 1770.

وعلى الرغم من أنها دولة صغيرة نسبياً من حيث عدد السكان، إلا أن أستراليا في الواقع تمتد على قارة بأسرها، وتضم وجهات سياحية كثيرة لا قرين لها في العالم، يطول الحديث عنها ويحتاج بوابة قائمة بذاتها، قد نخصص له مساحة على هذا الموقع مستقبلاً.
وقد لا يبدو هذا جلياً على الخارطة، لكن يزيد خط سير هذه الرحلة أكثر عن 4500 كلم، ويتطلب القيام بها دون توقف نحو 3 أيام من القيادة المتواصلة. لكنها تحتاج منطقياً حوالي 2-4 أسابيع، ويمكن القيام بها بالسيارة أو بالقطار، حيث يمكن التوقف في عدد كبير من أبرز معالم أستراليا ومدنها على الطريق.

ويقبل الكثيرون ممن يقومون بمسار الرحلة هذه على استئجار حافلة منامة، والاقتصار على المبيت في الحافلة أو التخييم على الشواطئ وفي الغابات. وهي رحلة مضنية وتتطلب لياقة عالية وقدرة على تحمل الجلوس في السيارة لساعات طويلة. كما يجدر بمن يقوم بها تخصيص الوقت لرحلات المسير في الجبال والغابات، حيث يمكن لمن يسنح له الوقت القيام بذلك في مناطق عديدة على الطريق، والتمتع بمناظر ساحرة قلّ نظيرها حول العالم. وجدر التنويه أن هذا يتطلب لياقة عالية في المسير بين الجبال والغابات، فبعض الطرقات الجبلية وعر جداً.


وسأتطرق لتفاصيل هذه الرحلة بأكملها في مقال (أو عدة مقالات) خاصة مستقبلاً، حيث سأقتصر في هذا المقال على جزء بسيط منها، يمكن القيام به في غضون مدة تتراوح ما بين يوم و3 أيام، ويوفر للسائح فرصة جيدة للاطلاع على أبرز ملامح أستراليا، سواء الحضرية المعاصرة أو الطبيعية الخلابة.

وجميع ولايات ومدن أستراليا جميلة وتتميز برونق خاص يجمع ما بين معالم الحقبة الاستعمارية المعمارية (Colonial) مع أحدث معايير التخطيط المدني المعاصر، لكن توفر ولاية كوينزلاند افضل وجهة للاطلاع على حاضر هذه الدولة وتاريخ استكشافها وتشييد مدنها وبلداتها، حتى وصلت على ما هي عليه اليوم، إذ تعد هذه الولاية ثاني أكبر ولاية في أستراليا (بعد ولاية غرب أستراليا، وهي بمعظمها خالية تماماً)، وتمتد ما بين خطي عرض 10 و28 جنوباً، وهي مسافة هائلة تزيد عن 2700 كلم، وتعادل أكثر من نصف مسافة الرحلة المذكورة أعلاه، يمكن لمن يقطعه أن يطلع خلالها على تنوع جغرافي ومناخي كبير جداً، لا يوجد له نظير في العالم، يمتد ما بين الجبال المثلجة جنوباً (في الشتاء)، والغابات المدارية الممطرة شمالاً.

رحلتنا التي نتطرق لها في هذا المقال بسيطة جداً من هذه الناحية، فلا يزيد خط سيرها بأكمله (ذهاباً وإياباً) عن 310 كلم، ويمكن إدراجها ضمن مخطط أي زيارة لأستراليا، قصيرة كانت أم طويلة، ناهيك عن أنها كما ذكرت توفر للزائر فرصة جيدة للاطلاع على معالم أستراليا العمرانية والحضرية المعاصرة، والتي جعلت مدنها تتصدر قوائم أفضل مدن العالم للسكن، وطبيعتها التي تميز هذه القارة عن أي قارة أخرى على الكرة الأرضية، سواء من حيث النباتات أو الحيوانات.

ويتطلب القيام بهذه الرحلة استئجار سيارة، حيث سيطيب للزائر التوقف في أماكن عديدة على خلال الرحلة، سواء للتمتع بجمال الطبيعة الساحر، أو ببلدات كوينزلاند التاريخية. كما أنصح من يجيد قيادة الدرجات النارية بالقيام بهذه الرحلة على متن الدراجة النارية، فهذا يوفر فرصة لا قرين لها للاستمتاع بالمناظر والطقس. ويجدر بي التنويه هنا لضرورة حمل رخصة قيادة سارية تشمل الدراجات النارية، فكثير من البلدان لا يخص الدراجات النارية برخصة قيادة مستقلة، إلا أن قوانين المرور في أستراليا صارمة جداً وقد يتعرض الدرّاج للمخالفة والحجز في حال حمل رخصة قيادة سيارة فقط.

الانطلاق من مدينة بريزبان شمالاً نحو بلدة نوسا (Noosa) الصغيرة الهادئة الغافية على شواطئ كوينزلاند الذهبية الساحرة، مروراً ببلدة ماليني (Maleny) القابعة في أحضان سلسلة من سلاسل جبال الولاية التي تزينها غابات كثيفة تزخر بالإطلالات والمناظر الساحرة. وتتميز هذه الجبال ووديانها بوفرة مزارع النبيذ فيها.

وكما هو معلوم، تعد أستراليا من أبرز منتجي النبيذ في العالم، وأكبر مصدريه. لكن قد يدهش البعض لمعرفة أن كوينزلاند تضم مزارع نبيذ، فالشائع عنها أنها ولاية ذات مناخ مداري دافئ. ولكن توجد في كوينزلاند مناطق جبلية ذات قمم شاهقة، لا تبعد كثيراً عن مدار الجدي، وتتميز بمناخ وتضاريس تشبه مناطق شمال إيطاليا.
ويمكن تعديل خط سير الرحلة للتوقف في نوسا على طريق العودة، ليكون مسك الختام في ماليني، قبل العودة إلى بريزبان، حيث أن ماليني تقع في منتصف الطريق تقريباً ما بين بريزيبان ونوسا.

أفضل وقت للقيام بهذه الرحلة هو فصل الربيع، وتحديداً شهري نيسان وأيار، حيث يندر هطول الأمطار وحدوث العواصف، في حين تكون درجة الحرارة مثالية لأنشطة الهواء الطلق، حيث تتراوح ما بين 24 و26 نهاراً، و13 و17 ليلاً.

ويجدر التنويه أن فصل الربيع في بلادنا هو فصل الخريف في أستراليا، حيث أن الفصول معكوسة في نصف الكرة الأرضية الجنوبي.

كما أن مياه البحر تبقى دافئة وتناسب السباحة. وهو أمر يمكن القيام به في أي بقعة على امتداد خط الرحلة هذا، قبل التوغل في غابات الولاية نحو جبال ماليني.